WISSO قلب منتديات ويسو العرب المدير العام
عدد الرسائل : 447 البلد : أم الدنيا : الأوسمة : تاريخ التسجيل : 27/05/2008
| موضوع: بعد عام على الحسم في غزة أما آن لهذا الحصار أن يُكسر؟ الثلاثاء يونيو 17, 2008 9:23 am | |
| إذا كان من سمة بارزة في سياسات الولايات المتحدة الداخلية أو الخارجية، فإن تلك السمة هي سياسة الفضح! ذلك أن الولايات المتحدة، قد جرت منذ زمن بعيد على عادة عدم كتم أسرارها السياسية، إلا أن هذه السياسة قد برزت بشكل جريء وغير مسبوق في عهد الرئيس بوش الحالي، من باب «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»!
الشواهد على ذلك كثيرة، ولعل في الاستدلال بفضيحة سجن أبي غريب ما يؤكد ذلك. حيث إن تلك الجرائم المخزية لم تكتشف من العراقيين أنفسهم، بل جاء فضحها من داخل وزارة الدفاع الأميركية ذاتها، التي قامت بتوثيق تلك الانتهاكات القانونية في السجن بالصور الفوتوغرافية ومن ثم نشرها في فضائيات العالم من دون اكتراث!
كذلك الحال مع عدد من الجرائم التي ارتكبتها القوات الأميركية في العراق، والتي قام عدد من وسائل الإعلام الأميركية بفضحها المرة تلو المرة، لعل أشهرها التوثيق الذي أجرته مجلة «ذي نيشن» الأميركية حين أجرت مقابلات مع خمسين محارباً ممّن شاركوا في الحرب في العراق واعترفوا بارتكابهم «جرائم حرب» شملت القتل العمد للأطفال والنساء!
وإذا كانت هذه هي حال الأميركيين في فضح أنفسهم، فلعلّه من باب أولى أنهم لا يكترثون بفضح غيرهم أيضاً ممّن يشتركون معهم في لعبهم السياسية القذرة. من هذا الباب تأتي الفضيحة التي نشرتها مجلة «فانتي فير» الأميركية في عددها الصادر في شهر آذار (مارس) الماضي، من تعاون حكومة عباس مع إدارة بوش في الإعداد لخلق «فرقة موت» فلسطينية بقيادة قائد الأمن الوقائي السابق في غزة محمد دحلان، ضد «حماس» في محاولة لإثارة فتنة داخلية، لم تنكرها وزيرة الخارجية الأميركية ذاتها حين سئلت عنها، الأمر الذي آل في نهايته إلى الحسم العسكري الذي قامت به «حماس» في غزة قبل عام.
اليوم وبعد مرور عام كامل على الحسم الذي قامت به حركة «حماس» في غزة، الذي تبعه حصار ظالم على مليون ونصف المليون نسمة، لا تزال هناك أقلام عربية، بحسن نيّة أو بسوء نيّة، تضع اللّوم على «حماس» في ما آلت إليه الأمور، على رغم الاعترافات الأميركية الجريئة!
وبغض النظر عن الوضع السياسي، فإن الأمر الذي يجب ألا يخفى على أحد، هو الأحوال الكارثية في غزة، التي ينتج منها «القتل البطيء» لأمّة كاملة، حيث لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا كساء ولا كهرباء، على مرأى ومسمع من العالم كله، المتحضر منه وغير المتحضر!
فالحصار الذي تفرضه "إسرائيل" بتأييد وتعاون العالم الغربي، وسكوت وتغافل الحكومات العربية، وموافقة ورضا الحكومة الفلسطينية المؤقتة غير المنتخبة، أمر يعدّ في حقيقته جرماً قانونياً دولياً من الدرجة الأولى، ولا يجوز أن يستمر بأي حال من الأحوال.
ذلك أن تجويع شعب بكامله، ومنع الغذاء والدواء عنه هو بمثابة ما يعرف في القانون الدولي بـ «جريمة إبادة»، وغني عن القول إن المسؤولية القانونية الدولية لهذا الجرم لا تقف عند دولة الاحتلال، وإنما تطاول كل من يشارك في هذا الحصار أو يعين عليه.
وقد حدد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أحد عشر نوعاً من الأفعال التي يمكن أن تعتبر «جرائم ضد الإنسانية»، حيث خصّ النوع الثاني منها جرائم الإبادة، التي تشمل «حرمان أشخاص من الطعام أو الدواء بنيّة إهلاك جزء منهم».
فالمسؤولية القانونية تقع أولاً على عاتق "إسرائيل"، إذ أنها كدولة احتلال مسؤولة مسؤولية مباشرة عن توفير الغذاء والدواء للمواطنين في الأراضي التي تحتلها بموجب قوانين الاحتلال كما بينت ذلك اتفاقات جنيف 1949. ومعلوم أن غزة - التي تقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 - ينطبق عليها ما ينطبق على مناطق الاحتلال بموجب القوانين الدولية.
ولكن المسؤولية القانونية لا تقف عند دولة الاحتلال وحدها. بل إنها تتعداها لتشمل كل من يشارك أو يعين على هذه الجريمة النكراء. وتبعاً لذلك، فإن كل من يعين على استمرار الحصار على غزة اليوم، يعد مشاركاً في «جريمة الإبادة» هذه، وقد يأتي يوم يحاسب فيه على جريمته!
من هذا المنطلق، فإنه من الواجب على الحكومة المصرية أن تفتح الحدود مع غزة، وأن تعلم أنه لا مجال للنظر في إمكان قبول العذر في وجود أي ارتباط قانوني أو معاهدة دولية يمكن التذرع بها في استمرار هذه الجريمة! لأن «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» كما هو معلوم.
ولعلّه بات معلوماً اليوم أن عدد الذين ماتوا بسبب الحصار في غزة منذ بدايته بسبب الحرمان من الدواء، قد وصل إلى 170 شخصاً. وهذا الرقم كفيل بإثبات تهمة «جريمة الإبادة» ضد كل من شارك وأعان على وجود الحصار.
وإذا كان قتل 148 شخصاً في الدجيل كافياً لإدانة الرئيس العراقي صدام حسين ومن معه، بتهمة ارتكاب جريمة «إبادة جماعية»، التي استحق عليها عقوبة الإعدام، فإنه بالمنطق نفسه، يمكن القول إن قتل 170 شخصاً حتى الآن بسبب الحصار المفروض على غزة، قد يكون سبباً كافياً لإدانة كل المتورطين والمتآمرين في هذا الحصار الظالم على الشعب البريء بالتهمة ذاتها!
ولعله من المفيد الإشارة إلى أنه إذا كانت الحكومات العربية غير قادرة على كسر الحصار بسبب «مجاملاتها الدولية»، فإنه ربما كان على الشعوب أن تقوم بما لا تستطيع حكوماتها القيام به. من هذا المنطلق، فإنه يتوقع من الشعب المصري على وجه الخصوص، كونه الجار الملاصق، والشعب الذي كسر خط برليف، أن يقوم بهدم الحدود مع غزة، كما فعل الشعب الألماني حين أخذ كل ألماني فأسه وتوجّه إلى جدار برلين عام 1988، لينهي بذلك عزلة استمرت أربعين عاماً، من دون الاعتماد على حكوماته الرسمية.
بيد أن الوضع في غزة مختلف جداً عنه في برلين. فهدم جدار برلين، كان لأجل توحيد أمة كانت واحدة وفرقتها الأيادي الأوروبية والدولية. أما الوضع في غزة فهو لأجل البقاء، الأمر الذي يعد من أبجديات الحقوق الإنسانية: حق الحياة. وإذا ما اختار الشعب المصري هذا الطريق، فليس ثمة مخالفة قانونية دولية، لأن كسر الحصار ليس جرماً، إنما الجرم هو الحصار ذاته.
وقد أكد هذا الوصف أكثر من شخصية غربية لها تاريخها السياسي الذي لا ينكر. فقبل ثلاثة أسابيع، وصف الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر الحصار على غزة بأنه «أحد أكبر الجرائم التي ترتكب ضد حقوق الإنسان على وجه الأرض»! كما وبّخ الأسقف الأفريقي الحائز على جائزة نوبل للسلام ديزموند توتو قبل أسبوعين المجتمع الدولي على صمته المريب على حصار غزة الذي وصفه بأنه «وصمة عار للمجتمع الإنساني» وطالب بوضع حد له.
وبالمنطق نفسه، أعرب النائب السويسري الناشط السياسي دانيال فيشر، قبل يومين عن «خجله» إزاء موقف الحكومات الأوروبية من الوضع في غزة، ودعا المجتمع الدولي، بمناسبة مرور عام على أحداث غزة، إلى كسر الحصار.
المحزن في الأمر، أنه لا يوجد بين هذه الأصوات الدولية المتعالية لكسر الحصار، صوت رسمي عربي واحد، سواء أكان من مسؤول حالي أم مسؤول سابق | |
|